الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
فإن قال: إن وطئتك, فأنت علي كظهر أمي فقال أحمد: لا يقربها حتى يكفر وهذا نص في تحريمها قبل التكفير وهو دليل على تحريم الوطء في المسألة: التي قبلها بطريق التنبيه لأن المطلقة ثلاثا أعظم تحريما من المظاهر منها وإذا وطئ ها هنا فقد صار مظاهرا من زوجته, وزال حكم الإيلاء ويحتمل أن أحمد إنما أراد إذا وطئها مرة فلا يطأها حتى يكفر لكونه صار بالوطء مظاهرا, إذ لا يصح تقديم الكفارة على الظهار لأنه سببها ولا يجوز تقديم الحكم على سببه ولو كفر قبل الظهار لم يجزئه وقد روى إسحاق قال: قلت لأحمد, في من قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي إن قربتك إلى سنة قال: إن جاءت تطلب فليس له أن يعضلها بعد مضي الأربعة الأشهر يقال له: إما أن تفيء, وإما أن تطلق فإن وطئها فقد وجب عليه كفارة وإن أبى, وأرادت مفارقته طلقها الحاكم عليه فينبغي أن تحمل الرواية الأولى على المنع من الوطء بعد الوطء الذي صار به مظاهرا لما ذكرناه فتكون الروايتان متفقتين والله تعالى أعلم. قال: [أو يكون له عذر من مرض, أو إحرام أو شيء لا يمكن معه الجماع فيقول: متى قدرت جامعتها فيكون ذلك من قوله فيئة للعذر] وجملة ذلك أنه إذا مضت المدة, وبالمولى عذر يمنع الوطء من مرض أو حبس بغير حق أو غيره, لزمه أن يفيء بلسانه فيقول: متى قدرت جامعتها ونحو هذا وممن قال: يفيء بلسانه إذا كان ذا عذر ابن مسعود وجابر بن زيد, والنخعي والحسن والزهري, والثوري والأوزاعي وعكرمة, وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال سعيد بن جبير: لا يكون الفيء إلا بالجماع في حال العذر وغيره وقال أبو ثور: إذا لم يقدر, لم يوقف حتى يصح أو يصل إن كان غائبا ولا تلزمه الفيئة بلسانه لأن الضرر بترك الوطء لا يزول بالقول وقال بعض الشافعية: يحتاج أن يقول: قد ندمت على ما فعلت, إن قدرت وطئت ولنا أن القصد بالفيئة ترك ما قصده من الإضرار وقد ترك قصد الإضرار بما أتى به من الاعتذار والقول مع العذر يقوم مقام فعل القادر, بدليل أن إشهاد الشفيع على الطلب بالشفعة عند العجز عن طلبها يقوم مقام طلبها في الحضور في إثباتها ولا يحتاج أن يقول: ندمت لأن الغرض أن يظهر رجوعه عن المقام على اليمين وقد حصل بظهور عزمه عليه وحكى أبو الخطاب عن القاضي, أن فيئة المعذور أن يقول: فئت إليك وهو قول الثوري وأبي عبيد وأصحاب الرأي والذي ذكره القاضي في " المجرد " مثل ما ذكر الخرقي, وهو أحسن لأن وعده بالفعل عند القدرة عليه دليل على ترك قصد الإضرار وفيه نوع من الاعتذار, وإخبار بإزالته للضرر عند إمكانه ولا يحصل بقوله: فئت إليك شيء من هذا فأما العاجز لجب أو شلل ففيئته أن يقول: لو قدرت لجامعتها لأن ذلك يزيل ما حصل بإيلائه. والإحرام كالمرض في ظاهر قول الخرقي وكذلك على قياسه الاعتكاف المنذور والظهار وذكر أصحابنا أن المظاهر لا يمهل, ويؤمر بالطلاق فيخرج من هذا أن كل عذر من فعله يمنعه الوطء لا يمهل من أجله وهو مذهب الشافعي لأن الامتناع بسبب منه فلا يسقط حكما واجبا عليه فعلى هذا لا يؤمر بالوطء لأنه محرم عليه ولكن يؤمر بالطلاق ووجه القول الأول, أنه عاجز عن الوطء بأمر لا يمكنه الخروج منه فأشبه المريض فأما المظاهر فيقال له: إما أن تكفر وتفيء, وإما أن تطلق فإن قال: أمهلوني حتى أطلب رقبة أو أطعم فإن علم أنه قادر على التكفير في الحال وإنما يقصد المدافعة والتأخير, لم يمهل لأن الحق حال عليه وإنما يمهل للحاجة ولا حاجة وإن لم يعلم ذلك أمهل ثلاثة أيام لأنها قريبة, ولا يزاد على ذلك وإن كان فرضه الصيام فطلب الإمهال ليصوم شهرين متتابعين لم يمهل لأنه كثير ويتخرج أن يفيء بلسانه فيئة المعذور, ويمهل حتى يصوم كقولنا في المحرم فإن وطئها فقد عصى وانحل إيلاؤه ولها منعه منه لأن هذا الوطء محرم عليهما وقال القاضي: يلزمها التمكين, وإن امتنعت سقط حقها لأن حقها في الوطء وقد بذله لها ومتى وطئها فقد وفاها حقها, والتحريم عليه دونها ولنا أنه وطء حرام فلا يلزم التمكين منه كالوطء في الحيض والنفاس وهذا ينقض دليلهم ولا نسلم كون التحريم عليه دونها فإن الوطء متى حرم على أحدهما حرم على الآخر لكونه فعلا واحدا, ولو جاز اختصاص أحدهما بالتحريم لاختصت المرأة بتحريم الوطء في الحيض والنفاس وإحرامها وصيامها لاختصاصها بسببه. وإن انقضت المدة وهو محبوس بحق يمكن أداؤه طولب بالفيئة لأنه قادر عليها بأداء ما عليه فإن لم يفعل, أمر بالطلاق وإن كان عاجزا عن أدائه أو حبس ظلما أمر بفيئة المعذور وإن انقضت وهو غائب, والطريق آمن فلها أن توكل من يطالبه بالمسير إليها أو حملها إليه, فإن لم يفعل أخذ بالطلاق وإن كان الطريق مخوفا أو له عذر يمنعه, فاء فيئة المعذور. فإن كان مغلوبا على عقله بجنون أو إغماء لم يطالب لأنه لا يصلح للخطاب ولا يصح منه الجواب وتتأخر المطالبة إلى حال القدرة, وزوال العذر ثم يطالب حينئذ وإن كان مجبوبا وقلنا: يصح إيلاؤه فاء فيئة المعذور, فيقول: لو قدرت جامعتها. وإذا انقضت المدة فادعى أنه عاجز عن الوطء فإذا كان قد وطئها مرة, لم تسمع دعواه العنة كما لا تسمع دعواها عليه ويؤخذ بالفيئة, أو بالطلاق كغيره وإن لم يكن وطئها, ولم تكن حاله معروفة فقال القاضي: تسمع دعواه ويقبل قوله لأن التعنين من العيوب التي لا يقف عليها غيره وهذا ظاهر نص الشافعي ولها أن تسأل الحاكم, فيضرب له مدة العنة بعد أن يفيء فيئة أهل الأعذار وفيه وجه آخر أنه لا يقبل قوله لأنه متهم في دعوى ما يسقط عنه حقا توجه عليه الطلب به والأصل سلامته منه وإن ادعت أنه قد أصابها مرة, وأنكر ذلك لم يكن لها المطالبة بضرب مدة العنة لاعترافها بعدم عنته, والقول قوله في عدم الإصابة. قال: [فمتى قدر فلم يفعل أمر بالطلاق] وجملة الأمر أن المولى إذا وقف, وطولب بالفيئة وهو قادر عليها فلم يفعل أمر بالطلاق وهذا قول كل من يقول: يوقف المولى لأن الله تعالى قال وليس على من فاء بلسانه كفارة ولا حنث لأنه لم يفعل المحلوف عليه وإنما وعد بفعله, فهو كمن عليه دين حلف أن لا يوفيه ثم أعسر به فقال: متى قدرت وفيته. قال: [فإن لم يطلق, طلق الحاكم عليه] وجملة الأمر أن المولى إذا امتنع من الفيئة بعد التربص أو امتنع المعذور من الفيئة بلسانه أو امتنع من الوطء بعد زوال عذره, أمر بالطلاق فإن طلق وقع طلاقه الذي أوقعه واحدة كانت أو أكثر وليس للحاكم إجباره على أكثر من طلقة لأنه يحصل الوفاء بحقها بها فإنها تفضي إلى البينونة, والتخلص من ضرره وإن امتنع من الطلاق طلق الحاكم عليه وبهذا قال مالك وعن أحمد رواية أخرى, ليس للحاكم الطلاق عليه لأن ما خير الزوج فيه بين أمرين لم يقم الحاكم مقامه فيه كالاختيار لبعض الزوجات في حق من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أو أختان فعلى هذا يحبسه, ويضيق عليه حتى يفيء أو يطلق وللشافعي قولان, كالروايتين ولنا أن ما دخلته النيابة وتعين مستحقه, وامتنع من هو عليه قام الحاكم مقامه فيه كقضاء الدين, وفارق الاختيار فإنه ما تعين مستحقه وهذا أصح في المذهب وليس للحاكم أن يأمر بالطلاق ولا يطلق إلا أن تطلب المرأة ذلك لأنه حق لها وإنما الحاكم يستوفي لها الحق, فلا يكون إلا عند طلبها. والطلاق الواجب على المولى رجعى سواء أوقعه بنفسه أو طلق الحاكم عليه وبهذا قال الشافعي قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله في المولى: فإن طلقها قال: تكون واحدة, وهو أحق بها وعن أحمد رواية أخرى أن فرقة الحاكم تكون بائنا ذكر أبو بكر الروايتين جميعا وقال القاضي: المنصوص عن أحمد, في فرقة الحاكم أنها تكون بائنا فإن في رواية الأثرم: وقد سئل إذا طلق عليه السلطان أتكون واحدة؟ فقال: إذا طلق فهي واحدة, وهو أحق بها فأما تفريق السلطان فليس فيه رجعة وقال أبو ثور: طلاق المولى بائن, سواء طلق هو أو طلق عليه الحاكم لأنها فرقة لرفع الضرر فكان بائنا, كفرقة العنة ولأنها لو كانت رجعية لم يندفع الضرر لأنه يرتجعها, فيبقى الضرر وقال أبو حنيفة: يقع الطلاق بانقضاء العدة بائنا ووجه الأول أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعيا, كالطلاق في غير الإيلاء ويفارق فرقة العنة لأنها فسخ لعيب وهذه طلقة ولأنه لو أبيح له ارتجاعها, لم يندفع عنها الضرر وهذه يندفع عنها الضرر فإنه إذا ارتجعها ضربت له مدة أخرى, ولأن العنين قد يئس من وطئه فلا فائدة في رجعته وهذا غير عاجز, ورجعته دليل على رغبته وإقلاعه عن الإضرار بها فافترقا والله تعالى أعلم. قال: [فإن طلق عليه ثلاثا فهي ثلاث] وجملة الأمر أن المولى إذا امتنع من الفيئة والطلاق معا, وقام الحاكم مقامه فإنه يملك من الطلاق ما يملكه المولى وإليه الخيرة فيه, إن شاء طلق واحدة وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثا, وإن شاء فسخ قال القاضي: هذا ظاهر كلام أحمد وقال الشافعي: ليس له إلا واحدة لأن إيفاء الحق يحصل بها فلم يملك زيادة عليها كما لم يملك الزيادة على وفاء الدين في حق الممتنع ولنا أن الحاكم قائم مقامه, فملك من الطلاق ما يملكه كما لو وكله في ذلك وليس ذلك زيادة على حقها فإن حقها الفرقة غير أنها تتنوع, وقد يرى الحاكم المصلحة في تحريمها عليه ومنعه رجعتها لعلمه بسوء قصده وحصول المصلحة ببعده قال أبو عبد الله: إذا قال: فرقت بينكما فإنما هو فسخ وإذا قال: طلقت واحدة فهي واحدة وإذا قال: ثلاثا فهي ثلاث. قال: [وإن طلق واحدة, وراجع وقد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر كان الحكم كما حكمنا في الأول] وجملة الأمر أنه إذا طلق المولي, أو طلق الحاكم عليه أقل من ثلاث فله رجعتها وعن أبي عبد الله - -رحمه الله- - رواية أخرى أن تفريق الحاكم ليس فيه رجعة فإنه قال: وأما تفريق السلطان, فليس فيه رجعة في العدة ولا بعدها فعلى هذه الرواية يكون طلاق الحاكم بائنا, ليس فيه رجعة وقال أبو بكر: في كل فرقة فرقها الحاكم روايتان لعانا كانت أو غيره إحداهما تحرم على التأبيد واختارها والثانية, له المراجعة فيها بعقد جديد وهذا الصحيح وليس في كلام أحمد ما يقتضي تحريمها عليه وقوله: ليس فيه رجعة في العدة ولا بعدها يمكن حمله على أنه ليس له رجعتها بغير نكاح جديد لأنه قد صرح في سائر الروايات به ولأنه لم يوجد سبب يقتضي تحريمها عليه وتفريق الحاكم لا يقتضي سوى التفريق بينهما في هذا النكاح, ولذلك لو فرق بينهما لأجل العنة لم تحرم عليه وأما فرقة اللعان فإنها تحصل بدون تفريق الحاكم ولو حصلت بتفريق الحاكم غير أن المقتضي للتفريق والتحريم اللعان, بدليل أنه لا يجوز إقرارهما على النكاح وإن تراضوا به بخلاف مسألتنا وأما على قول الخرقي فإن الطلاق إذا كان دون الثلاث, فهو رجعي سواء كان من المولى أو الحاكم وهذا مذهب الشافعي لأن الحاكم نائبه, فلا يقع طلاقه مفيدا كما لم يفده طلاق المولى كالوكيل فإن لم يراجع حتى انقضت عدتها بانت, ولم يلحقها طلاق ثان وهذا مذهب الشافعي وروي عن علي: إذا سبق حد الإيلاء حد الطلاق فهما تطليقتان, وإن سبق حد الطلاق حد الإيلاء فهي واحدة ويقتضيه مذهب الزهري وهذا مبني على أن الطلاق يقع بانقضاء مدة الإيلاء من غير إيقاع وقد سبق ذكر ذلك فأما إن فسخ الحاكم النكاح, فليس للمولى الرجوع عليها إلا بنكاح جديد سواء كان في العدة أو بعدها ولا ينقص به عدد طلاقه لأنه ليس بطلاق فأشبه فسخ النكاح لعيبه أو عنته وإن طلق المولى أو الحاكم ثلاثا, لم تحل له إلا بعد زوج ثان وإصابة ونكاح جديد إذا ثبت هذا فإنه إذا طلق دون الثلاث فراجعها في عدتها, فإن مدة الإيلاء تنقطع بالطلاق ولا يحتسب عليه بما قبل الرجعة من المدة لأنها صارت ممنوعة منه بغير اليمين فانقطعت المدة كما لو كان الطلاق بائنا, فإن راجع استؤنفت المدة من حين رجعته فإن كان الباقي منها أقل من أربعة أشهر سقط الإيلاء, وإن كان أكثر منها تربصنا به أربعة أشهر ثم وقفناه ليفيء أو يطلق ثم يكون الحكم ها هنا كالحكم في وقفه الأول, فإن طلق أو طلق الحاكم عليه واحدة ثم راجع وقد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر, انتظرناه أربعة أشهر ثم طولب بالفيئة أو الطلاق فإن طلق, فقد كملت الثلاث وحرمت عليه وهذا مذهب الشافعي ويقتضي مذهب أبي عبد الله بن حامد أنه إذا طلق استؤنفت المدة الأخرى من حين طلق, فلو تمت أربعة أشهر قبل انقضاء عدة الطلاق وقف ثانيا فإن فاء, وإلا أمر بالطلاق ونحو هذا مذهب مالك وأبي عبيد وإن انقضت العدة قبل مدة الإيلاء بانت, وانقطع الإيلاء فإن راجع في العدة قبل مدة الإيلاء تربص به تمام أربعة أشهر من حين طلق وعن ابن مسعود, وعطاء والحسن والنخعي, وقتادة والأوزاعي أن الطلاق يهدم الإيلاء وهذا يحتمل أن يكون معناه أنه يقطع مدته, فلا يحتسب بمدته قبل الرجعة فيكون قول الخرقي مثله ويحتمل أنه يزيل حكمه بالكلية لأنه قد وفاها حقها بالطلاق فسقط حكم الإيلاء كما لو وطئها والجواب عن هذا, أن حكم اليمين باق في المنع من الوطء فيبقى الإيلاء كما لو لم يطلق بخلاف الفيئة, فإنها ترفع اليمين لحصول الحنث فيها. قال: [ولو وقفناه بعد الأربعة أشهر فقال: قد أصبتها فإن كانت ثيبا, كان القول قوله مع يمينه] وهذا قول الشافعي لأن الأصل بقاء النكاح والمرأة تدعي ما يلزمه به رفعه وهو يدعي ما يوافق الأصل, ويبقيه فكان القول قوله كما لو ادعى الوطء في العنة ولأن هذا أمر خفي ولا يعلم إلا من جهته, فقبل قوله فيه كقول المرأة في حيضها وتلزمه اليمين لأن ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين ونص أحمد, في رواية الأثرم على أنه لا يلزمه يمين لأنه لا يقضي فيه بالنكول وهذا اختيار أبي بكر فأما إن كانت بكرا واختلفا في الإصابة, أريت النساء الثقات فإن شهدن بثيوبتها فالقول قوله, وإن شهدن ببكارتها فالقول قولها لأنه لو وطئها زالت بكارتها وظاهر قول الخرقي أنه لا يمين ها هنا لقوله في باب العنين: فإن شهدن بما قالت, أجل سنة ولم يذكر يمينه وهذا قول أبي بكر لأن البينة تشهد لها فلا تجب اليمين معها. ولو كانت هذه المرأة غير مدخول بها فادعى أنه أصابها, وكذبته ثم طلقها وأراد رجعتها, كان القول قولها فنقبل قوله في الإصابة في الإيلاء ولا نقبله في إثبات الرجعة له, وقد سبق تعليل ذلك في كتاب الرجعة. قال: [ولو آلى منها فلم يصبها حتى طلقها وانقضت عدتها منه ثم نكحها, وقد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر وقف لها كما وصفت] وجملة الأمر أن المولى إذا أبان زوجته, انقطعت مدة الإيلاء بغير خلاف علمناه سواء بانت بفسخ أو طلاق ثلاث, أو بخلع أو بانقضاء عدتها من الطلاق الرجعى لأنها صارت أجنبية منه ولم يبق شيء من أحكام نكاحها فإن عاد فتزوجها, عاد حكم الإيلاء من حين تزوجها واستؤنفت المدة حينئذ فإن كان الباقي من مدة يمينه أربعة أشهر فما دون, لم يثبت حكم الإيلاء لأن مدة التربص أربعة أشهر وإن كان أكثر من أربعة أشهر تربص أربعة أشهر, ثم وقف لها فإما أن يفيء أو يطلق, وإن لم يطلق طلق الحاكم عليه وهذا قول مالك وقال أبو حنيفة: إن كان الطلاق أقل من ثلاث ثم تركها حتى انقضت عدتها, ثم نكحها عاد الإيلاء وإن استوفى عدد الطلاق, لم يعد الإيلاء لأن حكم النكاح الأول زال بالكلية ولهذا ترجع إليه على طلاق ثلاث فصار إيلاؤه في النكاح الأول كإيلائه من أجنبية وقال أصحاب الشافعي: يتحصل من أقواله ثلاثة أقاويل: قولان كالمذهبين, وقول ثالث: لا يعود حكم الإيلاء بحال وهو قول ابن المنذر لأنها صارت بحال لو آلى منها لم يصح إيلاؤه فبطل حكم الإيلاء منها كالمطلقة ثلاثا ولنا أنه ممتنع من وطء امرأته بيمين في حال نكاحها, فثبت له حكم الإيلاء كما لو لم يطلق وفارق الإيلاء من الأجنبية فإنه لا يقصد باليمين عليها الإضرار بها, بخلاف مسألتنا. ولو آلى من امرأته الأمة ثم اشتراها ثم أعتقها, وتزوجها عاد الإيلاء ولو كان المولى عبدا فاشترته امرأته, ثم أعتقته وتزوجته عاد الإيلاء ولو بانت الزوجة بردة, أو إسلام من أحدهما أو غيره ثم تزوجها تزويجا جديدا عاد الإيلاء, وتستأنف المدة في جميع ذلك وسواء عادت إليه بعد زوج ثان أو قبله لأن اليمين كانت منه في حال الزوجية فيبقى حكمها ما وجدت الزوجية وهكذا لو قال لزوجته: إن دخلت الدار فوالله لا جامعتك ثم طلقها ثم نكحت غيره, ثم تزوجها الأول عاد حكم الإيلاء لأن الصفة المعقودة في حال الزوجية لا تنحل بزوال الزوجية فإن دخلت الدار في حال البينونة, ثم عاد فتزوجها لم يثبت حكم الإيلاء في حقه لأن الصفة وجدت في حال كونها أجنبية ولا ينعقد الإيلاء بالحلف على الأجنبية بخلاف ما إذا دخلت وهي امرأته. قال: [ولو آلى منها, واختلفا في مضي الأربعة أشهر كان القول قوله في أنها لم تمض مع يمينه] إنما كان كذلك لأن الاختلاف في مضي المدة ينبني على الخلاف في وقت يمينه فإنهما لو اتفقا على وقت اليمين حسب من ذلك الوقت, فعلم هل انقضت المدة أو لا وزال الخلاف أما إذا اختلفا في وقت اليمين فقال: حلفت في غرة رمضان وقالت: بل حلفت في غرة شعبان فالقول قوله لأنه صدر من جهته وهو أعلم به فكان القول قوله, كما لو اختلفا في أصل الإيلاء ولأن الأصل عدم الحلف في غرة شعبان فكان قوله في نفيه موافقا للأصل قال الخرقي: ويكون ذلك مع يمينه وهو مذهب الشافعي وذهب أبو بكر إلى أنه لا يمين عليه قال القاضي: وهو أصح لأنه اختلاف في أحكام النكاح, فلم تشرع فيه يمين كما لو ادعى زوجية امرأة فأنكرته ووجه قول الخرقي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اليمين على المدعى عليه) ولأنه حق لآدمي يجوز بذله, فيستحلف فيه كالديون. فإن ترك الوطء بغير يمين لم يكن موليا لأن الإيلاء الحلف ولكن إن ترك ذلك لعذر من مرض, أو غيبة ونحوه لم تضرب له مدة, وإن تركه مضرا بها فهل تضرب له مدة؟ على روايتين إحداهما تضرب له مدة أربعة أشهر, فإن وطئها وإلا دعى بعدها إلى الوطء فإن امتنع منه, أمر بالطلاق كما يفعل في الإيلاء سواء لأنه أضر بها بترك الوطء في مدة الإيلاء, فيلزم حكمه كما لو حلف ولأن ما وجب أداؤه إذا حلف على تركه, وجب أداؤه إذا لم يحلف كالنفقة وسائر الواجبات يحققه أن اليمين لا تجعل غير الواجب واجبا إذا أقسم على تركه, فوجوبه معها يدل على وجوبه قبلها ولأن وجوبه في الإيلاء إنما كان لدفع حاجة المرأة, وإزالة الضرر عنها وضررها لا يختلف بالإيلاء وعدمه فلا يختلف الوجوب فإن قيل: فلا يبقى للإيلاء أثر, فلم أفردتم له بابا؟ قلنا: بل له أثر فإنه يدل على قصد الإضرار فيتعلق الحكم به وإن لم يظهر منه قصد الإضرار, اكتفى بدلالته وإذا لم توجد اليمين احتجنا إلى دليل سواه يدل على المضارة, فيعتبر الإيلاء لدلالته على المقتضى لا لعينه والثانية لا تضرب له مدة وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأنه ليس بمول, فلم تضرب له مدة كما لو لم يقصد الإضرار ولأن تعليق الحكم بالإيلاء يدل على انتفائه عند عدمه, إذ لو ثبت هذا الحكم بدونه لم يكن له أثر والله أعلم.
|